Iran Roundtable

Be part of conversation

هل يكون «فيلق القدس» خلف «داعش» في العراق؟

رضا برجي زاده
ترجم المقال علي المجنوني 

في اللحظة التي تجتاح فيها ميليشيات (الدولة الإسلامية في العراق والشام) «داعش» شمال شرقي العراق، تسعى في خراب البلاد وتقتل المدنيين، تظهر تنبؤات عمن قد يكون خلف هذه الفوضى في العراق. في ظاهر الأمر، ولأن داعش في أساسها ائتلاف سُنّي مشكّل على نحو فضفاض، يذهب ظن البعض للوهلة الأولى الى المملكة العربية السعودية. ولكن، ماذا لو كان الذي يحصل في العراق الآن قد جرى التخطيط له حتى يبدو كذلك؟ بمعنى آخر، ماذا لو كان حيلةً مرتبةً بعناية؟
لو تسنى للمرء النظر عن قرب، لأصبح بإمكانه التقاط عدد من القرائن المهمة التي تلقي على الوضع ضوءاً مختلفاً: منذ غزو القوات المتحالفة للعراق عام 2003، ظلت بلاد الرافدين رهنَ فريق متعدد الجنسيات تتزعمه الولايات المتحدة. على رغم ذلك، عندما بدأ زمام الأمور في الانفلات من هذا الفريق المتعدد الجنسيات، إضافة إلى انسحاب الجيش الأميركي في ما بعد، فإن قوة القدس، والتي هي وحدة العمليات الخاصة لحرس الثورة الإسلامية بقيادة اللواء الغامض قاسم سليماني، تمكنت من الحلول محل القوة المتعددة الجنسيات مستغلة الوضع القائم.
تُظهر عشرات التقارير التي نُشرت في العامين المنصرمين أن سليماني ظل يمارس مقداراً كبيراً من السلطة في العراق عوضاً عن تمتعه بمنصب مرموق خلف كواليس المشهد السياسي. وكما يبدو، فإن كلاً من نوري المالكي، رئيس وزراء العراق، ومسعود بارزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، دمية يحركها سليماني كيفما شاء. ومن خلال استغلال الأخير لنفوذه الواسع في العراق، ظل يعمل بدأب لتأسيس ميليشيا شيعية وتدريبها وتسليحها، ليس من أجل تعزيز تأثيره والحفاظ على إمبراطوريته في العراق فقط، ولكن أيضاً من أجل الإبقاء على الطريق إلى سورية حيث تذود عن نظام الأسد وحداتٌ مؤيدة للجمهورية الإسلامية.
مع ذلك، يحتمل أن يكون سليماني ساهم أيضاً في تشكيل «داعش» وأن تكون له يد في توجيهها، وإنْ بطرق ووسائل غير مباشرة. في الحقيقة، قبل أقل من أسبوعين، أخبر عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السوري السابق، صحيفة «الشرق الأوسط» قائلاً إن «إيران هي التي أحضرت «داعش» إلى سورية، ولا أحد يـشك في ذلك، وأنا أعرف ما أقول. إيران جزء رئيس من القـتال في سورية. هناك التنظيمات الإسلامية الشيعية والحرس الثوري و «حـزب الله»، كل هؤلاء يقاتلون إلى جانب نظام الأسد، وسقوط النظام سيكون ضربة موجعة للنظام الإيراني بأكمله. إذا سقط نظام بشار انتهت إيران في العراق، وسيضعف دور «حزب الله» في لبنان، إذا لم يكن سيتلاشى».
قد يبدو هذا للوهلة الأولى موقفاً يصعب الدفاع عنه، خصوصاً إذا اعتبرنا «داعش» جماعة سُنّية متطرفة، الأمر الذي يجعل منها متنافرة إيديولوجياً مع الجمهورية الإسلامية الشيعية المتطرفة. فضلاً عن ذلك، ما الذي سيدفع الجمهورية الإسلامية التي تُحكِم قبضتها على العراق إلى زعزعة استقراره؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعيد النظر إلى تاريخ الجمهورية الإسلامية، وبخاصة سياستها الخارجية.
إن الجمهورية الإسلامية، كما سبق أن أوضحت في مقالة سابقة، لديها نزوع إلى خلق الأزمات وإدارتها. إنها تتغذى على الأزمات وتستغلها من أجل تحقيق أجندتها. ويزدحم تاريخ الجمهورية الإسلامية الذي ينيف على ثلاثة عقود بحالات صارخة من استخدام تلك الطريقة من أجل كسب مزيد من النفوذ على الصعيد الدولي. وما أزمة الرهائن الإيرانية عام 1979 وتفجيرات بيروت عام 1983 والبرنامج النووي السيئ الذكر الذي لا يزال قائماً حتى الآن إلا نماذج من تلك الحالات.
تخيلوا الآن جمهورية إسلامية «صديقة للأزمات» ظفرت حتى يومنا هذا بأشياء كثيرة من المجتمع الدولي عبر استخدام القوة المطلقة والابتزاز، إنْ لم تكن ظفرت بكل شيء. من المرجح أن تكون هذه الجمهورية بحاجة اليوم إلى «داعش» لجملة من الأسباب. ويبدو أن أحدها الضغط على الغرب. إذ يجب ألا نغفل حقيقة أن تنشيط «داعش»، وهي التي كانت نائمة حتى تلك اللحظة، فجأة في الوقت الذي تنهمك فيه الجمهورية الإسلامية في المفاوضات الصارمة مع الغرب حول برنامجها النووي. قد يهلهِل القيودَ التي فرضها الغرب على الجمهورية الإسلامية، الوصيّة على العراق، كما يمكن أن يُنظر إليها على أنها تساعد في احتواء الوضع هناك.

A former C.I.A. officer calls Suleimani, the head of Iran’s Quds Force, the “most powerful operative in the Middle East today.”
إضافة إلى ذلك، قد تغرس الأزمة في العراق الخوفَ في نفوس الشعب الإيراني المُنهَك بحيث لن تكون لديه الرغبة في القيام بأي معارضة للنظام الحاكم أو إسقاطه. فمن خلال وضع أهوال الحرب الطائفية نُصب أعين الناس، يستطيع النظام إقناعهم بأن الجمهورية الإسلامية حاميهم الوحيد في مواجهة الثورة السنّية هذه. في هذه الحال يمكن أن يدعم اللعب على الحس الوطني لدى الإيرانيين موقف النظام. في الوقت الذي تحشد فيه الجمهورية الإسلامية قواتها غرب إيران، تكون آلة بروباغاندا النظام قد بدأت استثمار تلك الرسالة الوطنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. على أية حال، إنْ يجد أحدنا القبولَ باحتمال أن تكون الجمهورية الإسلامية خلفَ «داعش» أمراً في غاية الصعوبة، قد يجدي درسٌ بسيط في الجغرافيا السياسية نفعاً.
أبانت التقارير أن ميليشيات «داعش» أظهرت قوة عسكرية معتبرة بل حتى استخدمت المروحيات، مما يدل على أنها مُعدّة إعداداً جيداً. ولو حصل هذا في أي من المناطق الجنوبية للعراق مثل الأنبار، بمعنى آخر قريباً من الحدود مع السعودية، القوة الإقليمية التي يُفترض البعض بأنها خلف «داعش»، فإن الافتراض بأن المملكة مسؤولة عن «داعش» سيكون حينها قابلاً للإثبات.
ولكن، على النقيض من ذلك، تقع المنطقة التي اجتاحتها «داعش» أخيراً، وتضم أجزاء من محافظتي نينوى وصلاح الدين، على الطرف الأقصى من العراق، بعيداً جداً من المملكة العربية السعودية. في الحقيقة يطوّقها الطريق إلى سورية جنوباً، الذي تسيطر عليه قوة القدس عازلة منطقة التمرد عن السعودية، والحد التركي شمالاً، والحد السوري غرباً. في هذه الحال، تركيا التي عصفت بها الأزمات ليست في وضع يسمح بالتدخل في شؤون الجمهورية الإسلامية. ولذلك، فإن رحلة الرئيس روحاني إلى أنقرة التي طالما رغبت بها كثيراً الحكومة التركية المفلسة تقريباً تضع النقاط على الحروف. في المقابل، تقع المناطق الشرقية من سورية تحت تأثير الأكراد الذين لم يكونوا يوماً سهلي الانقياد لـ «داعش».
وهكذا، فإن الطريقة المنطقية الوحيدة لتفسير قوة «داعش» المستحدثة هي أن يكون سليماني هو من جهّز مقاتليها أو سهّل وصولهم إلى الأسلحة الثقيلة والآلية على أقل تقدير. على سبيل المصادفة، أعلنت «العربية» نقلاً عن تقرير أعدّه موقع إلكتروني تابع لحرس الثورة الإسلامية أن سليماني شوهد في العراق. كما يشير التقرير، يبدو أن سليماني كان موجوداً قبل أن تندلع الثورة وأنه لا يزال هناك. وبالتالي، ولأن الأشياء قد لا تكون مثلما تبدو عليه للوهلة الأولى، فإن من الحكمة أن يبني المرء حكمه بعناية أو أن يرجئ الحكم حتى تبين الأمور.
* محلل وناشط إيراني مقيم في الولايات المتحدة. يحضّر للدكتوراه في الأدب الإنكليزي والنقد في جامعة إنديانا في بنسلفانيا. (ترجم المقال علي المجنوني)

 

 

Opinions contained within the article is of the author and not necessarily representative of Iran Roundtable
Iran Roundtable publishes these articles for the sole purpose of disseminating information to stimulate discourse,  awareness and diversity of issues.

Twitter icon
Facebook icon
LinkedIn icon
Google+ icon
YouTube icon
RSS icon
Share/Save